” ليلي الهمامي ” تلقي الضوء علي الأزمة الديمقراطية في تونس
تقرير – علاء حمدي
صرحت الدكتورة ليلي الهمامي أستاذ الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة لندن حول الأزمة السياسية في تونس حيث قالت : تتفق مختلف التحاليل والمقاربات علي أن تونس لم تشهد في تاريخها أزمة أكثر حدة وتعقيدا من تلك التي تعيشها اليوم ويبدوا أن كل المعطيات تجتمع لتؤكد حتمية حصول إنفجار إجتماعيّ وتحول نوعي علي المسار السياسي يعيد صياغة أسس المعادلة السياسية في البلاد .
وتؤكد التقارير المختصة في الشأن التونسي أن نظام قيس سعيد فاقد لكل افق ولكل مستقبل وأنه في أفضل الفرضيات عاجزاً عن الإستمرار سلميا ويبدوا أن هذا التوصيف موضوعي مؤكد واقعياً بصفة تمنع كل شكا فنسب الفقر والجهل والتضخم والهجرة الغير نظامية إضافة إلي العنف والهامشية لا يعادلها إلا إسفاف الحكم وأمعانه في مراكمة شروط إستبداد محافظ في منتهي الرجعية والتخلف بتبسط آلية من الديماغوجية الشعبوية المفرغة من كل معني عقلاني .
لم تكن تونس في تاريخها الحالي في وضع أكثر هشاشة مما هي عليه اليوم فالإنهيار يشمل الجبهة الداخلية والخارجية فإذا كان الإفلاس وتصدع منظومات الإنتاج المحددة للجبهة الداخلية فإن التشتت والبعثرة والعزلة صفات مميزة لوضع تونس الخارجي حالياً .
لقد أكدت الأحداث المتواترة أن تونس دخلت النفق المظلم بقيادات هاوية غير مؤهلة للحكم وهذا أمر متفق حوله في علاقة بنقض منظومة ما بعد 14 يناير 2011 ولكن الأهم في تقيم مرحلة ما بعد 2011 هو الانهيار الذي مثله 25 جويلية 2021 ولذلك لثلاثة أسباب علي الأقل .
أولاً أن 25 جويلية حركة دون هوية أو عنوان وثانيا أنها تعميق للأزمة وليست حلا لها وثالثا أن 25 جويلية يضحي بالرصيد الإستراتيجي لتونس بالمنطقة لإلحاقها بقوة إقليمية مهزومة ومتهاوية
لم يكن 25 جويلية في الواقع خارج سياق حكم الترويكا ومخرجاتها وهو إلي حد ما إنقاذ للإسلام السياسي من أخطائه وليس الموضوع كما قدمته آلة البروباجاندا الرسمية موضوع نفي لحكم الإسلام السياسي وانهاء له علي غرار ما حصل في مصر فانه في واقع الأمر إعادة إخراج حكم المرجعية الدينية تحت غطاء اكثر دكالية وتمكن يمر حكم البلاد من حكم الجماعة إلي حكم الواحد فحقيقة الصراع بين قيس سعيد والنهضة هو صراع بين تنظيم إحتكر طيلة عقود النطق باسم المرجعية السياسية الدينية وإخراجا جديد لامامة طاهرة تتدعي لنفسها أحقية الأمامة أو تتدعي لنفسها أحقية ومشروعية القيادة المنزهة المعصومة من كل خطأ .
وهو ما تأكده الأحداث من حيث حكم 25 جويلية لا يجتث حركة النهضة الإخوانية ولا يديرها بصفة صريحة واسمية بقدر ما يسعي لتحشيد قواعدها خلف الامام المنقذ فالصرع بين سعيد والغنوشي هو صراع خلافة وأمامة أي فتنة داخل مجتمع اسلاموي محافظ لا يحتمل تلك المعاني التي سعت المقاربات تحميلها لأحداث وشخوص 25 جويلية .
فسعيد من خلال الإستفتاء والدستور الجديد يؤكد أن الاسلام السياسي لا ديمقراطي في غايته ورهاناته وهو من هذه الزاوية ينتصر لحزب التحرير السلفي ضد نهضة الغنوشي الإخوانية وحزب التحرير ما بين قوسين وحزب التحرير ينتصر لنظرية الخلافة ويعتبر أن الديمقراطية بالتعدد والغالبية وهو نصير قيس سعيد.
العلاقة بين الإسلام الشيعي والسلفية السنية وكيف أن الصف الأول من مناصري قيس سعيد هم من السلفيين يعترض غالبا علي الاطروحة المؤكدة للعلاقة بين الإسلام الشيعي والسلفية السنية أن الاسلام الشيعي يناصب العداء تاريخيا للإسلام السني فاذا كان هذا الأخير الإسلام السني أيدلوجيا الدولة والحكم فأن الأول المعارضة خاصة مع الفرقة الإسماعيلية والواقع أن التجديد الإيدلوجي يتجه نحو مجاوزة هذا التعارض والإقرار بالمصالحة بين رافدي الإسلام السياسي ويبدو ان 25 جويلية نتاج او تعبير لهذه المصالحة أو للتجربة يمكن تفضي إلي مصالحة من هذا الصنف .
هذا وتؤكد عديد المعطيات وتشير عديد التقارير الإعلامية إلي تكثف الإختراقات الشيعية الإيرانية للفضاء التونسي هذا لا فقط في مستوي النشاط الجمعياتي بل ايضا من خلال التقارب الرسمي مع الدبلوماسية الإيرانية في تونس وخارج تونس وهذه التطورات أثارت حفيظة عديد المتابعين والمهتمين بالشأن التونسي الذين إنتبهوا إلي تسارع النشاط الشيعي في تونس بعد 25 جويلية 2021
هذا بعيداً عن حق حرية التعبير والضمير ليعلم الجميع أن إيران تستفيد من مقولة حرية التعبير والضمير ومن الحريات الدينية لزرع اعوانها وعملائها في المنطقة العربية والعالم .
والملاحظ أن الدولة الشيعية تشهد في تونس منذ تولي قيس سعيد الرئاسة نشاطا غير مسبوقا إلي حد أن عديد المواقع الإلكترونية وجهت إتهامات صريحة لوزراء في حكومة السيدة نجلاء بودن بتسخير منازل وظيفية لفائدة نشاط جمعيات شيعية وهو إتهاماً وجه لوزيرة المالية هذا مع العلم وأنني تأكدت منذ 2019 علي أن الإختراق الشيعي الإيراني تم فعليا مع إنتخاب قيس سعيد رئيسا للجمهورية وأن هذا الإنتخاب لم يكن بعيداً عن الصراع بين دونالد ترامب والدولة العميقة في الولايات المتحدة الامريكية وأن الإدارة الديمقراطية مع بايدن لم تقبل بتفكيك المخبر التونسي الديمقراطي وهذا أمرا سنعود اليه بتحليل مفصل في مناسبات لاحقة.
وفي محصلة مسار 25 جويلية الذي قدمه قيس سعيد علي أنه تصحيح للتاريخ ولمسار الثورة لم ينجز أي فعل أو قرار يستهدف حركة النهضة الاخوانية في وجودها الهيكلي والتنظيمي في النهضة كتنظيم وكجهاز وكقيادة وكقواعد لا تزال قائمة وفاعلة ونشيطة ولم يسعي حاكم قرطاش الجديد إلي تصفيتها او الي تفكيكها بأي شكل من الأشكال بل أن الرهان تعلق بإستبعاد رجل الغنوشي وافتكاك قيادته للتيار الديني وهو أمرا مثبتا ومؤسسا له في الفصل الخامس من الجمهورية الثالثة أو من دستور الجمهورية الثالثة كما يشدد قيس سعيد علي تسميته .
فليس الخلاف مع النهضة الإخوانية خلاف في غاية الحكم بقدر ما هو خلاف حول الآليات والوسائط فإذا كانت النهضة تشدد علي ضرورة إختراق منظومة الديمقراطي في مفهومها الغربي فأن سعيد يتشبث بمقولة أن الديمقراطية بدعة غربية مثل ما كان العقيد معمر القذافي يؤكد وكما يردد أنصار السلفية .
قيس سعيد يشدد علي ازمة الديمقراطية التنفيذية ويؤكد علي أنها ديمقراطية زائفة وأن البديل يكمن في الديمقراطية المباشرة ولكن الواقع يؤكد اننا نواجه عملية مزدوجة تدين الديمقراطية التمثيلية من جهة ولكنها تعيد إنتاج أشكال الهيمنة الوصايا بأشكال أخري فليس اشكال قيس سعيد مع الديمقراطية التمثيلية متصلا بتزييف النخب للإدارة الشعبية بقدر ما هي متعلقة بتوجيه النخب وتحكمها في الرأي العام وهو أمر يرفضه قيس سعيد لغاية أنه يريد الإنفراد بالسلطة وبواسائط الحكم والتحكم في الرأي العام فليس إذا الموضوع موضوع مبدأ أو غاية إنما هو موضوع وسائط ومناهج .
وهذا ما أسعي إلي توضيحه وبيانه بعيداً عن الشعبوية المدمرة لهياكل الدولة ومؤسساتها وبعيداً عن النخبوية المعادية لروح الديمقراطية ولمبادئها ولا أزال أعتقد وأدعو إلي أن يكون النظام السياسي فعلا جامعا لآليات التمثيل المباشر وغير المباشر في الديمقراطية الحقة تجمع بين الاهلية والإستحقاق من جهة وبين تمثيل الأغلبية من جهة ثانية أشير إلي أن هذه المقاربات تعبر عن تصورات واقع الأشياء في تونس وحقيقة ما يحدث ولا تلزم في شيء مواقف الناشر ومقاربته .