لاسترجاع اللبناني ثقته بالدولة و المجتمع
كتبت د. إيمي حسين
بعد استقلال لبنان في 22 تشرين ثاني 1943 زمن الحرب العالمية الثانية وخروجه من عباءة الانتداب الفرنسي ،
ومن ثم ولادة الدولة الوطنية ، وبعد سجال سياسي طويل بين اللبنانيين حول النظام و الهوية والمستقبل ،آمن اللبنانيون بتلك الدولة وأعلنوا الولاء للوطن بشتى الصور.
لقد تولّد ذلك الإيمان من اعتقاد راسخ باستطاعة تلك الدولة الفتية أن تقوم على الأقل
بمهام أساسية ثلاث:
أولاً المحافظة على استقلال وحرية الوطن.
وثانياً القيام بمسئوليات الرعاية الاجتماعية فى حقول التعليم والصحة والإسكان والتوظيف،
والتأكُد من حصول المواطن على نصيبه العادل من الثروة الوطنية بما فى ذلك دخل شهرى معقول كاف له ولعائلته.
وثالثاً المحافظة على الأمان والسلم الأهلى وحرية المعتقد من خلال استعمال القوة الشرعية القانونية والمساواة فى المواطنة.
الا انه كان واضحا منذ البداية أن تحقيق تلك المطالب الثلاثة يتطلب، على الأقل، عمليات إصلاحية تلغي رواسب الانتداب و التدخلات الاجنبية القديمة عن الكتل السياسية و العائلية … الخ، هذا لم يحصل.
مرت السنون والعقود لتنكشف الحقيقة الصادمة التى يراها اللبناني اليوم جلية أمامه:
فشل فى حماية الاستقلال الوطنى فى المجالات السياسية والاقتصادية و الامنية، بعد أن عادت السلطات ومنحت التسهيلات وعقدت المعاهدات وهيمنت عواصم الخارج على ما يجرى فى الداخل.
فشل السلطات المتعاقبة من بناء التنمية خصوصا بعد أن أصبح القرار الاقتصادى تابعا لقوى الاقتصاد الاجنبي، وبعد أن تراجعت خدمات الرعاية الاجتماعية العامة لصالح الخدمات الخاصة الجشعة.
وفشل السلطات المتعاقبة فى المحافظة على سلمية التعدد العقائدي و السياسي وأمن المواطن العادى، وذلك بعد أن دخل المجتمع اللبناني فى صراعات طائفية مجنونة كان للخارج اليد الطولى فيها.
اليوم يواجه الشعب اللبناني أكبر تحد: تحدى إرجاع ثقة المواطن في الاستقلال وفى الدولة التي تعتبر الناظم الفعلي لحياة المجتمع وقدراتها على حمل المسئوليات المناطة بها،
خصوصا بعد أن فشل النظام السياسي لهذه الدولة في حماية المواطنيين أمنياً و اقتصادياً واجتماعياً، وصل الى حد تفكيك المجتمع و الدولة طائفياً،
وتعميم الفساد المالي و الاداري ،ونهب الثروة الوطنية بدأ من الاملاك العامة وصولا للمدخرات الخاصة وتحطيم امال الاجيال الجديدة في الحياة الحرة الكريمة في وطنٍ يسوده العدل الاجتماعي و الهوية الوطنية الجامعه. ان المسؤولية تقع بالدرجة الاولى على المثقفين و القوى السياسية على اختلاف اشكالها منذ الاستقلال حتى الآن وساهمت بشكل او بآخر في الانقسام الافقي للمجتمع اللبناني. ( على سبيل المثال لا الحصر كانت الكتائب فكانت النجادة..الخ.والمثقفون على هذه الشاكلة وربما اكثر) . اللبنانيون لم يحسموا الاساس الوجودي للكيان ووظيفته في المشرق العربي من الهوية و الانتماء حتى شكل النظام….
في هذه الايام العصيبة ما زال الانقسام هو هو. البلاد نهبت والفساد نخر الدولة و الانقسام الطائفي دمر المجتمع ، الثروة النفطية مهددة ،القناصل يسرحون و يمرحون،مدخرات و تعب الناس تبخرت ،مافيات وعصابات طائفية وماليه بوجوه سياسية ، وثورة غارقة في الشعبوية توصف المشاكل صراخ ولا مبادرات جدية، الجميع يبحث عن الشاشة ، ابطال من كرتون ، صراع ديناصورات الطوائف يولد غبار الحقد و الضغينة، طواويس المال ينهشون في لحم الناس كل الناس… سباب شتائم ، مراهقون لا يحسنون صناعة التغيير .. وغيرها وغيرها من الامور التي تفرق ولا تجمع ..
يبقى الخيار الوحيد للخروج من ازماتنا نظرياً اعادة بناء نظام سياسي قائم على المواطنه والدولة المدنية الجامعه تحت سقف القانون و القضاء المستقل العادل ..
لا خيار امامنا الا بالمحاسبة وليس العودة الى مقولة لا غالب ولا مغلوب ، عفى الله على ما مضى، .. جميعنا خاسرون ،جميعنا نتحمل المسؤولية ..لا مناص من كتابة عقد اجتماعي جديد يتحمل معه الجميع تبعيات ماحدث بلبنان من البدايه الي هذه اللحظه الحرجه التي يعيشها كل لبناني علي ارضه
املنا في حكومه مسؤله تجاه شعب يطالب بابسط الحقوق التي تكفل له حياه كريمه