تتصفح هاتفها بهدوء بغرفة الأطباء لحين موعد انصرافها ، فجأة تغير جو الغرفة فدخل مجموعة أطباء يصحبون وهم بغاية الترحيب رجل وسيم رياضي يجلسونه ويجلسون حوله كمن يناظر أيقونة متلألئة ، عرفوها عليه الدكتور عمر لسه واصل من لندن ، رحبت مها بهدوء ، يتصايح الجميع ، حوله سعداء بأنه فكر بزيارتهم وزيارة المستشفى ، يسألونه عن فترة أجازته وهل سيكون لهم نصيب برؤيته مرة أخرى ، يجيب بلطف وينظر لمها فهي بالنسبة له وجها جديدا لقد غادر منذ خمسة عشر عاما ، تعرف عليها و قد أعجب بجمالها ، لم يضيع الوقت أستعلم عنها ولم يمر ثلاث أيام إلا وهو يطلب من والديها موعدا لتعارف ، هو ما تحلم به وأكثر عوضها الله صبر السنوات كانت على شفا أن تفقد الأمل فقد بلغت السادسة والثلاثين منذ أيام ، الدكتور عمر يكبرها بنحو تسع سنوات ، مهاجر للخارج ، وسيم لبق راق ، تعجل أمر الزواج فأجازته قصيرة ، يريد أن يعود عاجلا ليستكمل إجراءاته ويصحبها معه ، مها لم تعد تدري أهو حلم ، والديها لا يكفان عن حمد الله سبحانه وتعالى ، رجل لائق لجميلتهم ويتسرع الزواج ، حلمت بفستان أنيق وحفل رائع لكن الوقت لا يكفي لم يمر عشرة أيام إلا وكانا يقضيان شهر العسل بأحد قرى الساحل الشمالي ، أسبوعان في حلم ، صحيح هناك أشياء صغيرة لكن لا تهم ، لم يشتري لها هدية فالقرى محدودة الخيارات ، مقتصدين جدا بشراء الطعام نظرا للمبالغة بالأسعار ، يعدها أن يشتريان كل ما تريد من لندن ،فجأته بدعوته على الغداء بمطعم أسماك رائع فشكرها وأمسك يدها بحنو وهو سعيد بمفاجأتها يحادثها طوال الوقت عن حياته هناك حتى باتت وكأنها ولدت هناك ، عادا وكانت عودتهما على بيت أهله بقريتهم ، فيلا جميلة تحمل لوحتين احدهما مكتوب بها اسم أبوه الحاج سيد عوف والثانية فيلا الدكتور عمر لم ترى البيت إلا مرة واحدة فهو استراحة مؤقته لحين سفر عمر وعودتها لتنتظر اللحاق به ببيت أهلها ، صعدت لبيتها ، وجدته مفروشا كما وعدها لا يهم الأثاث الرديء وتلك الألوان حاولت أن تستوعبها خاصة ألوان الأرضيات و الحوائط ، السقف ممتلئ باللمبات الصغيرة كما لو كان محلا لبيع الحلوى الرخيصة ، لا يهم فقد أخبرها أنه قام بحجز فيلا بالقاهرة الجديدة وسيستلمها العام القادم أيام وتعود لبيت أهلها بالمدينة بعد سفره ستنتظره شهرا ليرسل لها فتلحق به ، كانت أمها قد حولت كل ما أدخرته من مفروشات وأدوات وأجهزة طوال السنوات لبيت العروس ، يومان يستقبلان الضيوف ، والمهنئين ، وجدت عمر فخورا جدا بالأثاث ويتحدث عن مهارة النجار الذي صنعه ، الحمد لله لم يشتر أثاثا عاديا من المعارض ، فكلها مصنوعة من قش الأرز ، استيقظت يوما لتجد جلبة بصالة البيت ، واخبرها عمر أن والدته أرسلت أبنة أخوه لأخذ بعض أدوات المطبخ ، فلديهم ضيوف ، طلب من مها أن تساعدهم إن لم يكن ذلك يجهدها فهو يريدها قريبة منهم ويتمناها ابنة لهم ، سعدت مها ونزلت وشاركت معهم بالطهي وغيره من الأعمال ، مر أسبوعا أجهدت وكان سؤالها لعمر لما لا يحضرون خادمة لمساعدتهم فاستنكر ذلك لأنهم لا يحبون نقل أسرار بيتهم وكشف عوراتهم ، تكشف لها الكثير فعمر لم تغيره الغربة وتحضره ظاهري ، بيوم الجمعة ، طلبت منها والدة عمر أن تساعد بغسل الأطباق قامت لحوض المطبخ لكنها سمعت صوتا غريبا ، عدلت نظارتها الطبية ، ونظرت لتجد أن هناك فصل بأنبوب الحوض و أن التصريف بصفيحة كبيرة ، خرجت مسرعة تخبر حماتها وتخبر عمر أن هناك كسر أسفل الحوض وكانت المفاجأة هذا هو الطبيعي ، ومياه الصرف تحمل لترش بالشارع خارج البيت ، لأنهم لن يطلبوا عربة صرف كل يومان أو ثلاثة فما فائدة الشارع إذن ؟
مها: من سيحمل المياه ويرميها ويتحمل إيذاء الناس أو تعرضهم للانزلاق
عمر: يا مها الجماعة من يوم ما وصلنا بيخدمونا هذا دورك ، ثم لما ينزلق الناس وهم معتادين على ذلك .
مها: نضع الماء بحديقة البيت
عمر: جننت؟ ستتلف كثرة المياه الحوائط وتتلف الزرع لأنها مياه صرف .
مها: تخاف من تلف البيت ولا تخشى أن يؤذى الجيران ؟
عمر: الجيران مثلنا الجميع معتاد على ذلك .
مها: أنا طبيبة لا أستطيع التسبب في إيذاء أحد، ثم أنك طبيب والمفترض أن تسعى لتركيب صرف صحيا.
انتبهت مها الأن لما لم يتم تركيب غسالتها ليس لأنهم سيغادرون سريعا للسفر لكن لتوفير المياه ، تنبهت للكثير من بخل عمر ، سوقية تصرفاته ، طريقة تناوله للطعام خاصة تصنعه أمام الناس، حركاته التي تصيبها بالغثيان خاصة عندما يتحدث وهو يفرك أصابع قدميه ثم يتناول الطعام بعد ذلك بكل أريحية ، أعطت ظهرها وصعدت لبيتها رافضة المشاركة بمهزلة المياه ، بدأت تتأمل حياتها وزيادة عصبية عمر معها ، تخاصما حتى سافر وعادت لبيت أهلها ، كم كانت منعمة وكم عرفت تحضر ورقي تصرفات أهلها ، بدأت مساعي الصلح ، أصطحبها والدها لزيارة حماتها وجدها تكلمها بعتاب عن نقدها لهم وكيف أنهم لم يرضون أن تحزن فقاموا بتوصيل أنبوب صرف صحي من بيتهم للترعة القريبة ليرتاح الجميع ، غادرت مصرة على الطلاق ، بعد مفاوضات رفض عمر طلاقها ووجدت أن طريقها طويل واستسلمت لأن تكافح حتى علمت أن عمر الذي يدعي الرهبنة بالغربة حتى يعود للزواج من وطنه متزوج من امرأة إنجليزية بالستين من عمرها ولم يخبرها ، سهل ذلك أمر طلاقها بعد تهديده بالإبلاغ عنه ، كانت تستمع لأشعار نزار وهو يقول لبسنا قشرة الحضارة والروح جاهلية ، فتجيب دون وعي هي جاهلية بعقل والله اسألوني أنا