مدرسة الحقوق في بيروت أو مدرسة الحقوق الرومانية، التي نشأت في أواخر القرن الثاني الميلادي، وازدهرت منذ أوائل القرن الثالث حتى منتصف القرن السادس الميلادي. وربما أسس هذه المدرسة سبتيموس سفيروس 193-211م، وخلّد ذكره بمعبد وتمثال في بيروت، وتعتبر ودراسة القانون من الشروط الأساسية لتبوأ المراكز العليا في الحكومة، وأنشأ الرومان مدارس فقهية أخرى، في رومية الإسكندرية وقيصرية فلسطين وأثينا والقسطنطينية، لكن شهرة مدرسة بيروت تفوقت على تلك المدارس جميعاً. أسست مدرسة الحقوق في الإمبراطورية الرومانية مستودعات منظمة من الدساتير الإمبراطورية وأضفت الطابع المؤسسي على دراسة وممارسة الفقه القانوني لتخفيف المحاكم الإمبراطورية المزدحمة، حيث سهلت أرشفة الدساتير الإمبراطورية مهمة الفقهاء في الإشارة إلى السوابق القانونية، ويعتبر تاريخ تأسيس كلية الحقوق في بيروت غامض، لكن من المتوقع أن ذلك كان في حكم أغسطس في القرن الأول، حيث أن أقدم ذكر مكتوب للمدرسة يعود إلى عام 239 م، وقد استقطبت المدرسة مواطنين رومانيين من الشباب الأثرياء، وقدم أساتذتها مساهمات كبيرة في مخطوطة جستنيان. حققت المدرسة اعترافًا واسعًا في جميع أنحاء الإمبراطورية لدرجة أن بيروت كانت تُعرف باسم “أم القانون”، وكانت بيروت واحدة من المدارس القليلة المسموح لها بمواصلة تدريس الفقه القانوني عندما أغلق الإمبراطور البيزنطي جستنيان الأول كليات الحقوق في المحافظات الأخرى. مدة الدراسة في بيروت تصل لخمس سنوات وتتضمن مراجعة النصوص القانونية الكلاسيكية والدساتير الإمبراطورية وتحليلها، بالإضافة إلى مناقشات القضايا. أبدى جستنيان اهتمامًا شخصيًا بالعملية التعليمية، حيث كلف أسقف بيروت وحاكم فينيقيا البحريَّة والمدرسين بصيانة الانضباط في المدرسة. أصدر أباطرة القرن الثالث ديوكلتيانوس ومكسيميانوس دساتير تعفي طلاب كلية الحقوق في بيروت من الخدمة الإلزامية في مسقط رأسهم. في القرن الرابع، ذكر البليغ اليوناني ليبانيوس أن المدرسة اجتذبت طلابًا صغارًا من عائلات ثرية واستنكر استخدام اللغة اللاتينية في المدرسة، والذي تم التخلي عنه تدريجيًا لصالح اللغة اليونانية خلال ذلك القرن. وبحلول القرن الخامس, نعت بيروت موقعها الرائد وسمعتها الطيبة بين كليات الحقوق في الإمبراطورية، وكان يحظى أساتذتها بتقدير كبير ولعبوا دورًا رئيسيًا في تطوير التعليم القانوني في الشرق، لدرجة أنهم أطلقوا عليهم لقب “الأساتذة المسكونيون”. واعتباراً من عام 425، أصبحت كلية الحقوق في القسطنطينية مركزًا منافسًا لدراسة القانون وكانت المدرسة الوحيدة مع مدرسة بيروت ليتم الحفاظ عليها بعد إغلاق جستنيان الأول لتعليم الإسكندرية وقيصرية ماريتيما وأثينا عام 529 لأن تعاليمهم تتناقض مع الإيمان المسيحي. في 9 يوليو 551م دمرت مرافق المدرسة في أعقاب زلزال هائل ضرب الساحل الفينيقي، وأدى ذلك لمقتل ثلاثون ألف شخص، من بينهم العديد من الطلاب من الخارج، وخصص جستنيان أموالًا لإعادة بناء بيروت، وتم نقل كلية الحقوق مؤقتًا إلى مدينة صيدا الجنوبية الفينيقية، في انتظار إعادة الإعمار؛ ومع ذلك انتقل أفضل المعلمين إلى القسطنطينية. وفي عام 560 دمر حريق هائل مدينة بيروت مرة أخرى، ولم يتم إعادة فتح كلية الحقوق فيها، وتم التخلي عن احتمال عودتها مع الفتح الإسلامي للشام في 635 م.